تُعدُّ مراجعة الأداء وتقييمه من أهم المبادئ السياسية التي يجب أن تحكم أي عمل تنظيمي أو سياسي يسعى لتحقيق التقدم والفعالية. فمن دون تقييم موضوعي ومستمر، يتحول العمل السياسي إلى مجرد شعارات فضفاضة تفتقر إلى أي تأثير حقيقي على الواقع. ويُبرز المنهج الماركسي أهمية النقد الذاتي والمراجعة كأداة ضرورية لضمان التطوير المستمر وتصحيح المسار.
الشعارات الفضفاضة والانتهازية السياسية
إن الاعتماد على الشعارات العامة غير المحددة يعكس ضعفًا في الرؤية السياسية والاستراتيجية، حيث يتم استخدامها أحيانًا كغطاء للممارسات الانتهازية، سواء من اليسار أو اليمين. فالشعارات اليسارية التي تدعو إلى التحولات الجذرية دون وضع خطط تنفيذية واضحة قد تخفي في طياتها نزعة انتهازية يمينية تسعى فقط لرفع الشعارات دون تقديم برامج حقيقية قابلة للتطبيق. وهذا يؤدي إلى خلق بيئة سياسية غير منتجة، حيث يتم تداول المفاهيم دون ترجمتها إلى خطوات عملية.
إن هذه الظاهرة تؤدي إلى حالة من الجمود والركود داخل الأحزاب والتنظيمات السياسية، إذ يتمحور الخطاب السياسي حول مفاهيم عامة بدلاً من التركيز على تحقيق إنجازات واقعية. لذلك، يصبح من الضروري أن تتبنى الأحزاب نهجًا يعتمد على صياغة سياسات واضحة ذات أهداف محددة، بعيدًا عن الخطابات العاطفية غير المنتجة.
أهمية تحديد الأهداف في عملية التقييم
لتقييم الأداء بشكل فعال، يجب وضع أهداف واضحة قابلة للقياس بحيث يمكن متابعة التقدم المحرز بشكل دوري. فالعمل السياسي المنظم يحتاج إلى استراتيجيات واضحة تحدد الأولويات وتضع آليات لقياس الأداء بشكل دقيق. ومن دون هذه الأهداف، تصبح عملية المحاسبة غير ممكنة، مما يفتح المجال أمام الفشل دون تحمل المسؤولية.
عند رفع الشعارات، يُطلق العنان لمخيلة القيادة في رسم أهداف واسعة وطموحة، ولكن عند التنفيذ، يتم التذرع بالظروف الموضوعية لتبرير الإخفاق. لذلك، يجب أن تكون القيادة مسؤولة عن تحديد هذه الظروف مسبقًا، بحيث تُصاغ الأهداف بطريقة واقعية وقابلة للتحقيق ضمن إطار زمني محدد. وكي لا تستغل هذه الذريعة لاحقًا كلما فشلت في أداء مهامها، ينبغي أن تكون الأهداف محددة بوضوح وفقًا لإمكانات الحزب والبيئة المحيطة به.
فعلى سبيل المثال، يمكن تحديد الأهداف على مستويات مختلفة، منها:
• توسع التنظيم الحزبي ليصل إلى خمسين ألف عضو.
• بناء اتحاد طلبة قوي يضم 3% من مجموع الطلبة، أي حوالي 60 ألف عضو.
• تحقيق 10 مقاعد برلمانية في الانتخابات.
المساءلة والتغيير القيادي
في حال عدم تحقيق الأهداف، أو في حال تحقيق أقل من 80% منها، يجب محاسبة القيادة التنظيمية ومطالبتها بالانسحاب من مواقعها القيادية، مع التزامها بعدم الترشح لأي موقع قيادي لفترة محددة، بما يتيح الفرصة لقيادات أخرى لتولي المسؤولية وتجريب منهجيات جديدة قد تكون أكثر فاعلية في تحقيق الأهداف المتفق عليها او صياغة اهداف أخرى قابلة للتحقيق وفق قراءة أكثر علمية للظروف الموضوعية.
الخاتمة
إن مراجعة الأداء والتقييم وفقًا لمنهج ماركسي صارم لا تعني فقط النقد، بل تعني تحسين الأداء والاستفادة من التجارب السابقة لتحقيق الأهداف المنشودة. وبدون هذه المراجعة الموضوعية، ستظل التنظيمات السياسية تدور في حلقة مفرغة من الشعارات دون تحقيق تغيير حقيقي وملموس.